الغزو الفكري
'ما هو تعريف الغزو الفكري؟
الغزو الفكري هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود
التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه
وجهة معينة. وهو أخطر من الغزو العسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك
المسارب الخفية في بادئ الأمر فلا تحس به الأمة المغزوة ولا تستعد لصده والوقوف في
وجهه حتى تقع فريسة له وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب
ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكرهه. وهو داء عضال يفتك
بالأمم ويذهب شخصيتها ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها والأمة التي تبتلى به لا تحس
بما أصابها ولا تدري عنه ولذلك يصبح علاجها أمرا صعبا وإفهامها سبيل الرشد شيئاً
عسيراً.
ما هي الوسائل التي يستخدمها الغرب لترويج
أفكاره؟ ج: الوسائل التي
يستخدمها الغرب لترويج أفكاره كثيرة منها :
1 - محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين
وترسيخ المفاهيم الغربية فيها لتعتقد أن الطريقة الفضلى هي طريقة الغرب في كل شيء
سواء فيما يعتقده من الأديان والنحل أو ما يتكلم به من اللغات أو ما يتحلى به من
الأخلاق أو ما هو عليه من عادات وطرائق.
2 - رعايته لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين
في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتى إذا ما تشربوا الأفكار الغربية وعادوا إلى
بلادهم أحاطهم بهالة عظيمة من المدح والثناء حتى يتسلموا المناصب والقيادات في
بلدانهم وبذلك يروجون الأفكار الغربية وينشئون المؤسسات التعليمية المسايرة للمنهج
الغربي أو الخاضعة له.
3 - تنشيطه لتعليم اللغات الغربية في البلدان
الإسلامية وجعلها تزاحم لغة المسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي
أنزل الله بها كتابه والتي يتعبد بها المسلمون ربهم في الصلاة والحج والأذكار
وغيرها، ومن ذلك تشجيع الدعوات الهدامة التي تحارب اللغة العربية وتحاول إضعاف
التمسك بها في ديار الإسلام في الدعوة إلى العامية وقيام الدراسات الكثيرة التي
يراد بها تطوير النحو وإفساده وتمجيد ما يسمونه بالأدب الشعبي والتراث القومي.
4 - إنشاء الجامعات الغربية والمدارس
التبشيرية في بلاد المسلمين ودور الحضانة ورياض الأطفال والمستشفيات والمستوصفات
وجعلها أوكارا لأغراضه السيئة وتشويق الدراسة فيها عند الطبقة العالية من أبناء
المجتمع ومساعدتهم بعد ذلك على تسلم المراكز القيادية والوظائف الكبيرة حتى يكونوا
عونا لأساتذتهم في تحقيق مآربهم في بلاد المسلمين.
5 - محاولة السيطرة على مناهج التعليم في
بلاد المسلمين ورسم سياستها، إما بطريق مباشر كما حصل في بعض بلاد الإسلام حينما
تولى دنلوب القسيس تلك المهمة فيها أو بطريق غير مباشر عندما يؤدي المهمة نفسها
تلاميذ ناجحون درسوا في مدارس دنلوب وتخرجوا فيها فأصبح معظمهم معول هدم في بلاده
وسلاحا فتاكا من أسلحة العدو يعمل جاهدا على توجيه التعليم توجيها علمانيا لا
يرتكز على الإيمان بالله والتصديق برسوله وإنما يسير نحو الإلحاد ويدعو إلى الفساد.
6 - قيام طوائف كبيرة من النصارى واليهود
بدراسة الإسلام واللغة العربية وتأليف الكتب
وتولي
كراسي التدريس في الجامعات حتى أحدث هؤلاء فتنة فكرية كبيرة بين المثقفين من أبناء
الإسلام بالشبه التي يلقنونها لطلبتهم أو التي تمتلئ بها كتبهم وتروج في بلاد
المسلمين حتى أصبح بعض تلك الكتب مراجع يرجع إليها بعض الكاتبين والباحثين في
الأمور الفكرية أو التاريخية ولقد تخرج على يد هؤلاء المستشرقين من أبناء المسلمين
رجال قاموا بنصيب كبير في إحداث الفتنة الكبرى وساعدهم على ذلك ما يحاطون به من
الثناء، والإعجاب وما يولونه من مناصب هامة في التعليم والتوجيه والقيادة، فأكملوا
ما بدأه أساتذتهم وحققوا ما عجزوا عنه لكونهم من أبناء المسلمين ومن جلدتهم
ينتسبون إليهم ويتكلمون بلسانهم فالله المستعان.
7
- انطلاق الجيوش الجرارة من المبشرين الداعين إلى النصرانية بين المسلمين وقيامهم
بعملهم ذلك على أسس مدروسة وبوسائل كبيرة عظيمة يجند لها مئات الآلاف من الرجال
ولقد تعد لها أضخم الميزانيات وتسهل لها السبل وتذلل لها العقبات( يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف:8]، وإذا كان هذا الجهد منصبا على الطبقة العامية غالبا فإن
جهل الاستشراق موجه إلى المثقفين كما ذكرت آنفا وأنهم يتحملون مشاق جساما في ذلك
العمل في بلاد إفريقيا وفي القرى النائية من أطراف البلدان الإسلامية في شرق آسيا
وغيرها ثم هم بعد كل حين يجتمعون في مؤتمرات يراجعون حسابهم وينظرون في خططهم
فيصححون ويعدلون ويبتكرون فلقد اجتمعوا في القاهرة سنة 1906 م. وفي ادنمبرج سنة
1910م وفي لكنوا سنة 1911م وفي القدس عام 1935م وفي القدس كذلك في عام 1935م ولا
زالوا يوالون الاجتماعات والمؤتمرات فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمر
كله.
8
- الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلم وتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة وجعلها
تتجاوز
الحدود
التي حد الله لها وجعل سعادتها في الوقوف عندها وذلك حينما يلقون بين المسلمين
الدعوات بأساليب شتى وطرق متعددة إلى أن تختلط النساء بالرجال وإلى أن تشتغل
النساء بأعمال الرجال، يقصدون من ذلك إفساد المجتمع المسلم والقضاء على الطهر
والعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهمية ودعاوى باطلة في أن المرأة في المجتمع
المسلم قد ظلمت وأن لها الحق في كذا وكذا ويريدون إخراجها من بيتها وإيصالها إلى
حيث يريدون في حين أن حدود الله واضحة وأوامره صريحة وسنة رسول الله جلية بينة
يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
[الأحزاب:59]، ويقول سبحانه:( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ
أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) [النور:31] الآية.
ويقول( وَإَذا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]، ويقول: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزراب:33]، ويقول : { إياكم والدخول على
النساء قال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت }، وقال: { لا يخلون رجل بامرأة
فإن الشيطان ثالثهما } }.
9 - إنشاء الكنائس والمعابد وتكثيرها في بلاد
المسلمين وصرف الأموال الكثيرة عليها وتزيينها وجعلها بارزة واضحة في أحسن الأماكن
وفي أكبر الميادين.
10
- تخصيص إذاعات موجهة تدعو إلى النصرانية وتشيد بأهدافها وتضلل بأفكارها أبناء
المسلمين السذج الذين لم يفهموا الإسلام ولم تكن
لهم تربية كافية عليه وخاصة في إفريقيا حيث يصاحب هذا الإكثار من طبع الأناجيل
وتوزيعها في الفنادق وغيرها وإرسال النشرات التبشيرية والدعوات الباطلة إلى الكثير
من أبناء المسلمين.
هذه بعض الوسائل التي يسلكها أعداء الإسلام
اليوم في سبيل غزو أفكار المسلمين وتنحية الأفكار السليمة الصالحة لتحل محلها
أفكار أخرى غريبة شرقية أو غربية، وهي كما نرى جهودا جبارة وأموالا طائلة وجنودا
كثيرين، كل ذلك لإخراج المسلمين من الإسلام وإن لم يدخلوا في النصرانية أو
اليهودية أو الماركسية إذ يعتقد القوم أن المشكلة الرئيسية في ذلك هي إخراجهم من
الإسلام، وإذا تم التوصل إلى هذه المرحلة فما بعدها سهل وميسور، ولكننا مع هذا
نقول إن الله سيخيب آمالهم ويبطل مكرهم ويضعف كيدهم، لأنهم مفسدون وهو سبحانه لا
يصلح عمل المفسدين.
قال الله( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ
خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]، وقال سبحانه: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ
كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق:15-17]، وإن الأمر يحتاج من المسلمين
وقفة عقل وتأمل ونظر في الطريق التي يجب أن يسلكوها والموقف المناسب الذي يجب أن
يقفوه وأن يكون لهم من الوعي والإدراك ما يجعلهم قادرين على فهم مخططات أعدائهم
وعاملين على إحباطها وإبطالها ولن يتم لهم ذلك إلا بالاستعصام بالله والاستمساك
بهديه والرجوع إليه والإنابة له والاستعانة به، وتذكر هديه في كل شيء وخاصة في
علاقة المؤمنين بالكافرين، وتفهم معنى سورة الكافرون، وما ذكره سبحانه في قوله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120)، وقوله: (وَلا يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة217)
ريفان حامد عبدالصبور - سميرة عبدالله بن عون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق